النّفيس، أبي الآباء، وسيّد الرّؤساء، مقدّم دين النّصرانية، وسيّد البتركيّة «١» ، صفيّ الرّبّ ومختاره، وثالث عشر الحواريّين، فصادر اللّعين عامّة من بالديار المصرية: من كاتب وحاكم وجنديّ وعامل وتاجر، وامتدّت يده إلى النّاس على اختلاف طبقاتهم، فخوّفه بعض مشايخ الكتّاب من خالقه وباعثه ومحاسبه، وحذّره من سوء عواقب أفعاله، وأشار عليه بترك ما يكون سببا لهلاكه. وكان جماعة من كتّاب مصر وقبطها في مجلسه، فقال مخاطبا له ومسمعا للجماعة:
نحن ملّاك هذه الدّيار حرثا وخراجا، ملكها المسلمون منّا، وتغلّبوا عليها وغصبوها، واستملكوها من أيدينا؛ فنحن مهما فعلنا بالمسلمين فهو قبالة ما فعلوا بنا، ولا يكون له نسبة إلى من قتل من رؤسائنا وملوكنا في أيام الفتوح؛ فجميع ما نأخذه من أموال المسلمين وأموال ملوكهم وخلفائهم حلّ لنا، وهو بعض ما نستحقّه عليهم؛ فإذا حملنا لهم مالا كانت المنّة لنا عليهم، وأنشد:
بنت كرم يتّموها أمّها ... وأهانوها فديست بالقدم
ثمّ عادوا حكّموها بينهم ... ويلهم من فعل مظلوم حكم
فاستحسن الحاضرون من النّصارى والمنافقين ما سمعوه منه، واستعادوه، وعضّوا عليه بالنّواجذ، حتّى قيل: إنّ الذي احتاط عليه قلم اللّعين من أملاك المسلمين مائتا ألف واثنان وسبعون ألفا، ومائتا دار وحانوت وأرض بأعمال الدّولة، إلى أن أعادها إلى أصحابها أبو عليّ بن الأفضل «٢» ، ومن الأموال ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
ثم انتبه من رقدته «٣» ، وأفاق من سكرته، وأدركته الحميّة الإسلامية،