للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما سمعت ذلك زال عنّي الإلباس، وقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى النّاس. ثم قلت: أقسمت عليك بالذي تشير إليه، إلا تدلّني عليه، فقال: إنّه صفيّ الملك ونجيّه، وكاتب سرّه ووليّه، والقريب منه إذا بعدوا، والمخصوص بالمقام إذا طردوا، والموجّه إليه الخطاب إذا حضروا، والمستأثر بالورود إذا صدروا، والمتكلّم بلسان الملك إذا سكتوا، والناطق بفصل الخطاب إذا بهتوا، والصّائل بحسام لسانه وخطّيّ «١» قلمه، والحامي الممالك بجيوش سطوره وجند كلمه، والمشتّت شمل العدوّ ببديع ألفاظه ودقيق حكمه، والحائز قصب السّبق بكرم فضله وفضل كرمه، والمروي ظمأ الوافدين إليه بواكف وبله وفائض ديمه، والمجلي غياهب الظّلم بنيّر بدره ومضيء أنجمه:

فما زال بدرا في سماء سيادة ... يشار إليه في الورى بالأنامل

بسيط مساعي المجد يركب نجدة ... من الشّرف الأعلى وبذل الفواضل

إذا سال أعيى السّامعين جوابه ... وإن قال لم يترك مقالا لقائل

قلت: حسبك! قد دلّني عليه عرفه، وأرشدني إليه وصفه، وبان لي محتده الفاخر وحسبه الصّميم، وعرفت أصله الزّاكي وفرعه الكريم، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ*

«٢» .

ثم عرّجت إلى حماه، وملت إلى حيّه كي أراه، فإذا به قد برز تتلألأ أنواره، وتشرق بالجلالة أقماره؛ قد علته الهيبة وغشيته السّكينة وحفّته الرياسة وجلّلته السعادة، وحكمت بعزّ منال قدره الأقدار كما اقتضته الإرادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>