فلما رأيته استصغرت الرّتبة مع شرفها الباذخ في جانبه، وعلمت أن ما تقدّم من المدح لم يوفّ حقّه ولم يقم ببعض واجبه؛ فغلبت هيبته إقدامي، وحالت حرمته بيني وبين مرامي، فقلت: إنا لله! قد فاتتني مآربي، ورجعت من فوري إلى صاحبي، فأظهرت له الأسف، وقصصت عليه القصّة قال: لا تخف؛ إنها لمنقبة عمريّة، وأثرة عدويّة؛ فالفاروق جدّه، وبنو عديّ قبيله وجنده «١» .
هذا وإنّه لألطف وأرقّ من النّسيم السّاري، والماء الجاري، وأحيى من العذراء في خدرها، وأشفق من الوالدة إذا ضمّت ولدها إلى صدرها، وأحلم من «معن بن زائدة» ، وإن كان أفصح من «قسّ بن ساعدة» .
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلّم إلا حين يبتسم!
بالعزائم الفاروقيّة فتحت الأمصار، وبالهيبة العمريّة أقرّ المهاجرون والأنصار؛ ويشهد لذلك قصّة «ابن عبّاس» في العول «٢» وسكوته في خلافة عمر وصمته، وجوابه بعد ذلك للقائل له: هلّا قلت ذلك في زمن عمر؟
بقوله: إنّه كان مهيبا فهبته؛ كيف؟ وما سلك فجّا إلا وسلك الشّيطان فجّا غير فجّه وضاقت عليه الفجاج، ولم تماثل هيبته بهيبة غيره وإن عظمت سطوته حتى قال الشّعبيّ: إن درّة «٣» عمر لأهيب من سيف الحجّاج؛ وهو مع ذلك يلطف بالأرامل والمساكين، ويعين الفقراء والمحتاجين؛ فقد اتضحت لك القضيّة، وتحقّقت أنها سمات إرثيّة.