التّتار، واستيلائه على ملكها، وجلوسه على تخت بني سلجوق، ثم العود منها إلى مملكة الدّيار المصرية؛ كتب بها إلى الصّاحب بهاء الدّين بن حنّا، وزير السلطان الملك الظاهر، ومعرفة ما كان في تلك الغزوة، وما اشتملت عليه حال تلك السّفرة؛ وهي:
يقبّل الأرض بساحات الأبواب الشريفة السّيّديّة، الصّاحبية البهائيّة- لا زالت ركائب السّير تحثّ إلى أرجائها السّير، وصروف الزّمن تسالم خدّامها وتحلّ الغير بالغير، ولا برحت موطن البرّ ومعدن الجود وبحر الكرم وعكاظ الخير- وينهي بعد رفع أدعيته التي لا تزال من الإجابة محوطة، ولا تبرح يداه بها مبسوطة، أنّ العبيد من شأنهم إتحاف مواليهم بما يشاهدونه في سفراتهم من عجائب، وإطلاعهم على ما يرونه في غزواتهم من غرائب؛ ليقضوا بذلك حقوق الاسترقاق، وتكون نعم ساداتهم قد أحسنت لأفواههم الاستنطاق، ويتعرّضوا لما عساه يعنّ من مراحمهم التي ما عندهم غيرها ينفد وما عندها باق.
ولمّا كان المملوك قد انتظم في سلك الخدم والعبيد، وأصبح كم له قصيد في مدح هذا البيت الشّريف كلّ بيت منها بقصيد بيت القصيد، وأنّ في مآثره الرّسائل التي قد شاعت، وضاعت نفحاتها في الوجود وكم رسالة غيرها في غيره ضاعت- رأى أن يتحف الخواطر الشّريفة من هذه الغزوة بلمح يختار منها من يؤلّف، ويسند إليها من يؤرّخ أو يصنّف؛ وإنّما قصد أن يتحف بها أبواب مولانا مع بسط القول واتّساع كلماته، لأن الله قد شرّف المملوك بعبوديّة مولانا: واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ
«١» . فإن كان المملوك قد طوّل في المطارحة، فمولانا يتطوّل في المسامحة؛ وإن قال أحد: هذا هذى، فما زال شرح الوقائع مطوّلا كذا؛ وتالله ما ورّخ مثلها في التواريخ