الواحد، وتلتفّ شجراتها التفاف الأكمام على السّاعد؛ ذات أوعار زلقة، وصدور شرقة، وأودية بالمزدحمين مختنقة؛ بينما يقول منتحيها: قد نلت السّماء بسلّم من هذه الشّواهق، إذا هو متضائل «١» قد هبط في مأزق متضايق؛ لم تزل هذه الجبال تأخذنا وترمينا، وتلك المسارب تضمّنا وتلك المشارب تظمينا:
ونترك الماء لا ينفكّ من سفر ... ما سار في الغيم منه سار في الأدم!
حتى وصلنا الحدث الحمراء المسمّاة الآن بكينوك، ومعناها المحرقة، (كان الملك قسطنطين والد صاحب سيس قد أخذها من أصحاب الرّوم وأحرقها، وتملّكها وعمرها، بقصد الضّرر لبلاد الإسلام والتّجّار، فلما كان في سنة اثنتين وسبعين «٣» وسبعمائة سيّر مولانا السلطان إليها عسكر حلب فافتتحها بالسّيف وقتل من كان بها من الرّجال وسبى الحريم والذّرّيّة، وخربت من ذلك الحين، وما بقي بها من يكاد يبين، فشاهدنا ما بنى سيف الدّولة بن حمدان منها والقنا تقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم، وقيل حقيقة هناك: على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وهي التي عناها أبو الطّيّب بقوله:
غصب الدّهر والملوك عليها ... فبناها في وجنة الدّهر خالا
فهي تمشي مشي العروس اختيالا ... وتثنّى على الزّمان دلالا!) «٤»