ارتفاع الكوكب، وتسري سريان الخيال، وتمكّن حوافرها الجياد فتزول منها الجبال؛ حتّى حصل الخروج من منتهى أقجا دربند، وهو خناق ذلك المأزق الذي كم أمسك على طارق، وفم ذلك الدّرب الذي كم عضّت أنيابه على مساوق ومسابق، وذلك في يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة، وبات السلطان والناس في وطأة هناك، وسمحت السّحب بما شاءت من برد وبرد، وجاءت الرّياح بما آلمت الجلد واستنفدت الجلد؛ وانتشرت العساكر في وطأة هناك حتّى ملأت المفاوز، وملكت الطّرق على المارّ وأخذتها على الجائز، وقدّم مولانا السلطان الأمير شمس الدّين سنقرا الأشقر في الجاليش «١» في جماعة من العساكر، فوقع على ثلاثة آلاف فارس من التّتار مقدّمهم كراي، فانهزموا من بين يديه، وأخذ منهم من قدّم للسّيف السلطانيّ فأكل نهمته وأسأر «٢» ، واستمرّت تلك سنّة فيمن يؤخذ من التّتار ويؤسر؛ وذلك في يوم الخميس تاسع ذي القعدة.
وبات التّتار على أجمل ترتيب لأنفسهم وأجمل منظر، وبات المسلمون على أتمّ تيقّظ وأعظم حذر «٣» ، ولم يتحقّقوا قدوم مولانا السلطان في جيوش الإسلام، ولا أنّه حضر بنفسه النّفيسة ليقوم في نصرة دين الله «٤» هذا المقام. فلمّا كان يوم الجمعة عاشر ذي القعدة تتابع الخبر بعد الخبر بأن القوم قد قربوا، وأنهم ثابوا وثبوا:
وقد تمنّوا غداة الدّرب «٥» في لجب ... أن يبصروه فلمّا أبصروه عموا!
(وشرع مولانا السلطان فوصّى جنوده بالتّثبّت عند المصدمة،