(وأصبح الأعداء لا ترى إلا أشلاؤهم، ولا تبصر إلا أعياؤهم؛ كأنّما جزر أجسادهم جزائر يتخلّلها من الدّماء السّيل، وكأنّما رؤوسهم المجموعة لدى الدّهليز المنصور أكر تلعب بها صوالجة من الأيدي والأرجل من الخيل)«١» :
ألقت إلينا دماء المغل طاعتها ... فلو دعونا بلا حرب أجاب دم «٢» !
فكم شاهد مولانا السلطان منهم مهيب الهامة، حسن الوسامة، تتفرّس في جهامة وجهه الفخامة، قد فضّ الرّمح فاه فقرع السّنّ على الحقيقة ندامة:
ووجوها أخافها منك وجه ... تركت حسنها له والجمالا!
أو كما قيل:
لا رحم «٣» الله أرؤسا لهم ... أطرن عن هامهنّ أقحافا!
وأقبل بعض الأحياء من الأسارى على الأموات يتعارفون، ولأخبار شجاعتهم يتواصفون؛ فكم من قائل: هذا فلان وهذا فلان، وهذا كان وهذا كان؛ وهذا كان يحدّث نفسه بأنه يهزم الألوف، وهذا يقرّر في ذهنه أنه لا تقف بين يديه الصّفوف؛ وكثرت الأسارى من المغل فاختار السلطان من كبرائهم البعض، وعمل فيهم بقول الله عزّ وجلّ: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ
«٤» . فجعلهم للسّيوف طعمة، وأحضرت الأسارى من الرّوم فترقّب مولانا السّلطان فيهم الإلّ والذّمّة:
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحرّ الذي يحفظ اليدا!