كانت عامرة فيما مضى، قريبة من «هدر رجال»«١» قبالة بازار بلّو، وهذا البازار هو الذي كانت الخلائق تجتمع إليه من أقطار الأرض، ويباع فيه كلّ شيء يجلب من الأقاليم، ويقرب من كودلوا الكبير.
وسرنا في يوم السّبت سوقا طول النّهار، حتّى نزلنا في وطأة الأبلستين، وفي هذا النهار عبر مولانا السلطان- نصره الله- على مكان المعركة لمشاهدة أمم التّتار، وكيف تعاقبت عليهم من العقبان كواسرها، وكفّ بأسهم من النّسور مناسرها «٢» ، وكيف أصبحوا لا يندبهم إلا البوم، وتحقّقوا أن الّتي أهلكتهم زرق الأسنّة لا زرق الرّوم، فرآهم لمن بقي عبرة، وعرضوا على ربّهم صفّا وجاؤوه كما خلقوا أوّل مرّة، وأبصر الرّياح لأشلائهم متخطّفة، والهوامّ في أجسادهم متصرّفة، وشاهدهم وقد هذأهم «٣» كلّ شيء حتّى الوحوش والرّياح: فهذه من صديدهم متكرّعة وهذه عليهم متقصّفة.
قد سوّدت شجر الجبال شعورهم ... فكأنّ فيه مسفّة الغربان!
ولمّا عاينهم مولانا السلطان وعاينهم الناس، أكثروا شكر الله على هذه النّعم التي أمست لكافّة الكفر كافّة وشالّة ودارزة، وأثنوا على مننه التي سنّت «٤» إليهم خيار العساكر المنصورة حتّى أصبحت تلك الأرض بهم بارزة، وحضرت من أهل الأبلستين هنالك جماعة من أهل التّقى والدّين، واستخبرهم مولانا السلطان عن عدّة قتلى المغل فقالوا: فَسْئَلِ