وإلى تلقائه صرفت؛ ومنشؤها من حالتين: إمّا في موقف عزّ عندما تلمع بروق الصّفاح، وتشيب من هول الحرب رؤوس الرّماح، وتسرح جوارح النّبال لتحلّ في الجوارح وتصيد في الأرواح؛ وإمّا في موطن سلّم عندما تنبسط النفوس إلى امتطاء صهوات الجياد في الأمن والدّعة، وتنشرح الصّدور إلى معاطاة الصّيود والمسرّات مجتمعة، وتطلق البزاة فتصيد، وتتصرّف بأمر الملوك الصّيد، وترسل الحوامي الممسكة، وتلقى على ما سنح من الوحش فلا ترى إلا مدركة؛ وتفاض النّعم السّلطانية وتجزل مواهبها، وتلوح العصابة الشّريفة وتنبعث مواكبها.
وكان الله تعالى قد جمع للمواقف الشّريفة، المعظّمة، السّلطانية، الملكيّة، النّاصريّة، خلّد الله سلطانها- سعادة الحالتين حربا وسلما، وآتاه فيهما النّصر الأرفع والعزّ الأسمى، ووسم بصدقاته وعزماته الأمرين وسما، ونصره نعتا وعظّمه سمعة وشرّفه اسما، فأيّام حروبه كلّها رفعة وانتصار، واستيلاء واستظهار، وقوة تحيا بها المؤمنون وتفنى الكفّار؛ وأيّام سلمه كلّها عدل وهبة، وصدقات منجية منجبة، ورفع ظلامات متشعبة، وقمع نفوس متوثّبة، وحسم خطوب مستدّة، وحفظ الحوزة الإسلامية من كلّ بأس ووقايتها من كلّ شدّة، وفي خلال كلّ عام تصرف عزائمه الشريفة إلى ابتغاء صيد الوحش والطّير: لما في ذلك من تمرين النّفوس على اكتساب التّأييد، وحصول المسرّة بكلّ ظفر جديد؛ فيرسم- خلد الله سلطانه- في الوقت الذي يرسم به من مشتى كلّ عام بإخراج الدّهليز المنصور فينصب في برّ الجيزة بسفح الهرم، في ساعة مباركة آخذة في إقبال الجود والكرم؛ فتمدّ بالتّأييد أطنابه، وترفع على عمد النّصر قبابه، ويحاط بحراسة الملائكة الكرام رحابه، وتضرب خيام الأمراء حوله وطاقا، وتحفّ به [مثل]«١» النّجوم بالبدر إشراقا؛ ويستقلّ الرّكاب الشريف- شرّفه الله- بعد ذلك بقصد عبور النّيل المبارك فيظهر من القلعة المحروسة والسّلامة تحجبه من المخافة، والحراسة