تصحبه فيما قرب ونأى من المسافة، ولسان السّعد قد خاطبه بالتّحيّة وشافه، ومماليكه الأمراء قد حفّوا به أطلابا «١» ، وسنيّ موكبه قد بعث أمامه من الإضاءة نجّابا «٢» ؛ ولم يزل حتّى يأتي النّيل المبارك ويستوي على الكرسيّ في الفلك المشحون، محوطا بالنّصر الميمون والجيش المأمون، وقد استبشر باعتلائه البحر والنّون «٣» ، وأضحى لظهر الفلك من الفخار [بحضرته]«٤» المكرّمة، ما لصهوات أجياده العتاق المسوّمة، فلهذا نشر أعلام بشراها، وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها
«٥» ، فسارت به في اليمّ، ونصر الله قد تمّ، وصعد من فلكه، على ما يسرّ نفوس المؤمنين في كمال سلطانه وعزّة ملكه، واستقرّ على جواد شرفت صهوته، وقرنت بالأناة والسّكون خطوته، عربيّ النّجار، يختال في سيره كأنّما انتشى من العقار:
ويختال بك الطّرف ... كأنّ الطّرف نشوان
ترى الطّرف درى أو ... ليس يدري أنّك سلطان!
وسار في زروع مخضرّة، وثغور نبات مفترّة؛ وقد طلعت للظّفر شموسه وبدوره، وأعدّت للصّيد بزاته وصقوره، من كلّ متوقّد اللّحظ من الشّهامة، محمول على الرّاحات من فرط الكرامة، يتوسّم فيه النّجاح، قبل خفق الجناح، ويخرج من جوّ السّماء ولا حرج ولا جناح؛ وبازها الأشهب،