يجيء بالظفر ويذهب بصدر مفضّض وناظر مذهب، له منسر أقنى، طالما أغنى، كأنّما هو شبا السّنان وقد حباه الكماة طعنا:
وصارم في يديك منصلت ... إن كان للسّيف في الوغى روح
متّقد اللّحظ من شهامته ... فالجوّ من ناظريه مجروح!
قد راش النّجح جناحه، وقرن الله باليمن غدوّه ورواحه، ونصره في حربه حيث جعل منسره رمحه ومخلبه صفاحه، في قوادمه السّعد قادم، وفي خوافيه النّصر ظاهر المعالم، كأنّما ألهم قوله صلّى الله عليه وسلّم:«بورك لأمّتي في بكورها» ، فيسرح والطّير جاثمة في وكورها، ويخرج في إغباش السّحر وعليه سواد، فيهابه الصّادح في الجوّ والباغم في الواد، ويأمر- خلّد الله سلطانه- أمراءه فيضربون على الطّير حلقة وهي لاهية في التقاط حبّها، غافلة عمّا يراد بها، فيذعرونها بخفق الطّبول وضربها، ومولانا السلطان- خلّد الله ملكه- لنافرها مترقّب، ولطائرها بالجارح معقّب، فما يدنو الكركيّ مقرورا حتّى يؤوب مقهورا، ساقطا من سمائه إلى أرضه، ومن سعته إلى قبضه، فسبحان من خلق كلّ جنس وقهر بعضه ببعضه؛ هذا: والجارح قد أنشب فيه مخالبه، وسدّ عليه سبله في جوّ السّماء ومذاهبه؛ ولم يزل- خلّد الله تعالى سلطانه- عامّة يومه متوغّلا في التّمتّع بلذّات صيوده، وأوقات سعوده، وحصول أربه ومقصوده، وجنود الملائكة حافّون به وبجنوده، حتّى ينسخ النهار الليل بظلمائه، ويلمع الطّارق بأضوائه، فيعود عند ذلك الرّكاب الشريف إلى المخيّم المنصور والجوارح كاسبة، والأقدار واهبة، والجوارح مسرورة، والطّيور مأسورة، والنّفوس ممتّعة، والمواهب منوّعة، والأرجاء مضوّعة، والله تعالى مع سلطانه بكلاءته:«ومن كان مع الله كان الله معه» ، فيرفع أمامه فانوسان توءمان، كأنهما كوكبان بينهما اقتران، أو فرقدان رفعتهما يدان، فيدنو إلى مخيّمه المنصور في سرادق العزّ الحفيل، وعصابة النّصر الأثيل، وتترجّل الأنصار قبل فسطاطه المعظّم على قدر ميل، ويسعى بالشّموع لتلقّيه، ويسوّى تخت الملك لترقّيه، فعند ذلك