للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقدار المستمعين؟ وليس غايته إلا الكسب والتّعرّض والانتفاع والتّرنّح؛ وعلى هذا يدور شكر المستأكلين، وإحماد المتكسّبين.

وهذا الباب وإن جعلته العوامّ شكرا، فهو بغير الشّكر أشبه، وبذلك أولى؛ وربّما كان شكره عن تأنّق وتذكير، وعن تخيّر وتخيير، وعن تفقّد للحالات، وتحصيل للأمور في المقامات التي تحيط بمهجته، وبحضرة عدوّ لا يزال مترصّدا لنعمته؛ فربّما التمس الزيادة في غبطه، وربّما التمس شفاء دائه وإصلاح قلبه، ونقض المبرم من معاقد حقده، على قدر الرّد، وعلى قدر تصرّف الحالات في المصلحة، لأن الشاكر كالرّائد لأهله، وكزعيم رهطه، والمشار إليه عند مشورته؛ فربّما اختار أن يكون شكره شعرا: لأن ذلك أشهر، وربّما اختار أن يكون كلاما منثورا: لأن ذلك أنبل، وربّما أظهر اليسر وانتحل الثّروة، وجعل من الدّليل على ذلك كثرة النّفقة، وحسن الشّارة، ويرى أن ذلك أصدق المدحين، وأنبل الشّكرين، ويجعل قائده إلى هذا المذهب، وسابقه إلى هذا التّدبير قول نصيب «١» :

فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب!

وممّا يدخل في هذا الباب وليس به- قول العنزيّ «٢» :

يابن العلاء ويابن القرم مرداس ... إنّي لأطريك في أهلي وجلّاسي

حتّى إذا قيل: ما أعطاك من صفد؟ ... طأطأت من سوء حال عندها راسي!

أثني عليك ولي حال تكذّبني ... بما أقول فأستحيي من النّاس!

وبين هذين الشّكرين طبقات معروفة، ومنازل معلومة. وموضع الشّكر

<<  <  ج: ص:  >  >>