من قلب السّامع في القبول والاستنامة، على قدر حسن النّيّة؛ والذي يعرف به الشّاكر من صدق اللهجة، ومن قلّة السّرف، واعتدال المذاهب، والاقتصاد في القول. وهذا باب سوى الباب الآخر من حسن الوصف، وجودة الرّصف؛ ولذلك لمّا أحسن بعض الواعظين في الموعظة، وأبلغ في الاعتبار وفي ترقيق القلوب، ولمّا لم ير أحدا يخشع، ولا عينا تدمع، قال: يا هؤلاء إما أن يكون بي شرّ، أو يكون بكم شرّ.
وقيل لجلساء الفضل الرّقاشيّ «١» ، وعبد الصّمد بن الفضل الرّقاشيّ:
ما بال دموعكم عند الفضل أغزر، وعند عبد الصّمد أنزر، وكلام عبد الصّمد أغزر، وكلام الفضل أنزر؟ قالوا: لأن قلب الفضل أرقّ، فصارت قلوبنا أرقّ، والقلوب تتجارى.
وقالوا: طوبى للممدوح إذا كان للمدح مستحقّا، وللدّاعي إذا كان للاستجابة أهلا، وللمنعم إذا حظي بالشّكر، وللشّاكر إذا حظي بالقبول.
إني لست أحتشم من مدحك، لأني لست أتزيّد في وصفك، ولست أمدحك من جهة معروفك عندي، ولا أصفك بتقديم إحسانك إليّ، حتّى أقدّم الشّكر الذي هو أولى بالتّقديم، وأفضّل الصّنف الذي هو أحقّ بالتّفضيل. وفي الخبر المستفيض، والحديث المأثور:«ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى.
وقليل باق خير من كثير فان» .
تذاكر الناس عند بعض الحكماء طبقات السّابقين في الفضل، وتنزيل حالاتهم في البرّ، ومن كانت الخصلة المحمودة فيه أكثر، والخصلة الثانية فيه أوفر، فقال ذلك الحكيم: ليس بعجب أن يسبق رجل إلى الإسلام، وكلّ