للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن وإن كنّا لا نستجيز أن نلحق أحدا بطباع عمر ومذهبه، وفضل قوّته، وتمام عزمه، فإنّا لا نجد بدّا من معرفة فضل كلّ من استقامت طريقته، ودامت خليقته، فلم يتغيّر عند تتابع النّعم، وتظاهر الصّنع، وإن كانت النّعم مختلفة الأجناس، ومتفاوتة في الطّبقات. وكيف يلحق به أحد؟ مع قوله:

«لو أنّ الصّبر والشّكر بعيران ما باليت أيّهما ركبت» ، ولكنّا على حال لا ندع تعظيم كلّ من بان من نظرائه في المرتبة، وأشباهه في المنزلة، إذ كان أدومهم طريقة، وأشدّهم مريرة، وأمضاهم على الجادّة الوسطى، وأقدرهم على المحجّة العظمى.

ولا بدّ من أن يعطى كلّ رئيس قسطه، وكلّ زمان حظّه؛ ولا يعجبني قول القائل: لم يدع الأوّل للآخر شيئا، بل لعمري لقد ترك له العريض الطّويل، والثّمين الخطير، واللّقم «١» النّهج، والمنهج الرّحب. ولو أنّ الناس مذ جرت هذه الكلمة على أفواه العوام، وأعجب بها الأغمار من الرّجال- قلّدوا هذا الحكم، واستسلموا لهذا المذهب، وأهملوا الرّويّة، ويئسوا من الفائدة، [إذن] لقد كان ارتفع من الدّنيا نفع كثير، وعلم غزير.

وأيّ زمان بعد زمان النّبيّ صلّى الله عليه وآله أحقّ بالتّفضيل، وأولى بالتقديم، من زمان ظهرت فيه الدّعوة الهاشميّة، والدّولة العبّاسيّة، ثم زمان المتوكّل على الله، والنّاصر لدين الله، والإمام الذي جلّ فكره، وكثر شغله بتصفية الدّين وتهذيبه، وتلخيصه وتنقيحه، وإعزازه وتأييده، واجتماع كلمته، ورجوع ألفته. وقد سمعت من يقول- ويستشهد العيان القاهر، والخبر المتظاهر-: ما رأيت في زماننا من كفاة السّلطان وولاته، وأعوانه وحماته، من كان يؤمّل لمحلّك، ويتقدّم في التّأهّب له، إلا وقد كان معه من البذخ والنّفخ، ومن الصّلف والعجب، ومن الخيلاء، ومن إفراط التّغيّر للأولياء، والتّهكّم على الخلطاء، ومن سوء اللقاء، ما لا خفاء به على كاتب

<<  <  ج: ص:  >  >>