للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكايد، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أظهر من واضح الحجج الجليّة ما سقط بحجّيّته دعوى المعارض، وأتى من فصل الخطاب بما أفحم به الخصوم فلم يستطع أشدّهم في البلاغة شكيمة أن يأتي له بمناقض، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فازوا من جليل المناقب بكل وصف جميل، واشتهرت في الوجود مفاخرهم فلم يحتج في إثباتها إلى إقامة دليل، صلاة يتمسّك في دعوى الشّرف بمتين حبلها، وتتّفق أدلّة العقل والنّقل على القطع بعلوّ شأنها وتوفّر فضلها.

وبعد، فلما كانت العلوم مشتركة في أصل التّفضيل، متّفقة الفضل في الجملة وإن تفاوتت في التفصيل، مسلّما أصل الشّرف فيها من غير منازع، مجمعا على أنه لا شيء من العلم من حيث هو علم بضّارّ ولا شيء من الجهل من حيث هو جهل بنافع، مع اختلافها في التّفاضل باختلاف موضوعاتها، وتفاوتها في الشّرف بحسب الحاجة إليها أو وثاقة حججها أو نفاسة غاياتها؛ عطس كلّ منها بأنف شامخ غير مسلّم للآخر ولا مسالم، ومدّ إلى العلياء يد المطاولة فتناول الثّريّا قاعدا غير قائم، وادعى كلّ منها أن بحره الطّامي، وفضله النّامي، وجواده الطّامح، وسماكه الرّامح، زاعما أن حسامه القاطع وعضبه القاضب، وقدحه المعلّى وسهمه الصّائب، ونجمه الساري وشهابه الثّاقب، وأنّ نشر الثناء على مجامره موقوف، وخطيب المحامد بمنابره معروف، وفلك الفضل على قطبه دائر، وكلّ شرف عليه محبّس وكلّ فخر عليه قاصر؛ فماس بعطفه ومال، وبسط في الكلام لسانه فقال وطال.

هذا: وإنّها اجتمعت يوما اجتماع معنى لا صورة، وقامت لها سوق بالبحث معروفة وعلى الجدال مقصورة، وتفاوضت بلسان الحال وتخاطبت، وتحاورت في دعوى الشّرف وتجاوبت، وألمّت بالمنافرة فتنافرت، وتسابقت في ميدان الافتخار فتفاخرت، وأخذ كلّ منها في نصرة مذهبه، وتحقيق مطلبه، بأنواع الحجج والاستدلالات، وإقامة البراهين والأمارات، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>