يتوجّه على ذلك من الأسئلة والاعتراضات. فكان أوّل باديء بدأ منها بالكلام وفتح باب الجدال والخصام، «علم اللّغة» فقال:
قد علمتم معشر العلوم أنّي أعمّكم نفعا، وأوسعكم مجالا وأكثركم جمعا؛ على قطب فلكي تدور الدوائر، وبواسطتي تدرك المقاصد ويستعلم ما في الضمائر، وبدلالتي تعلم المعاني المفردات، ويتميّز ما يدلّ على الذوات مما يدلّ على الأدوات، وتتبيّن دلالات العامّ والخاص، ويتعرف ما يرشد إلى الأنواع والأجناس وما يختصّ بالأشخاص؛ على أن كلّكم كلّ عليّ، ومحتاج في ترجمة مقصوده إليّ؛ فلفظي «المحكم» وأقوالي «الصّحاح» ، وكلامي «الجامع» وسيف لساني «المجرّد» ناهيك من سلاح، وفضلي «المجمل» لا يحتاج إلى بيان. استأثر الله تعالى بتعليمي لآدم عليه السّلام، وآثره بي معرفة على الملائكة فكان خصيصة له على الملائكة الكرام.
فلما انقضى قيله، وبانت للمستبين سبيله، ثاب إليه «علم التّصريف» مبتدرا، ولنفسه ولسائر العلوم منتصرا، فقال: رويدك أيّها المساجل، وعلى رسلك يا ذا المناضل؛ فقد ذلّ من ليس له ناصر، وحطّ قدر من ترفّع على أبناء جنسه ولو عقدت عليه الخناصر، وما يجدي البازي بغير جناح، أو يغني السّاعي إلى الحرب بغير سلاح؛ وأنّى يطعن رمح بغير سنان، أو يقطع سيف لم يؤيّد بقائم ولم تقبض عليه بنان؛ إنّك وإن حويت فضلا، وأعرقت أصلا، وكنت للكلام نظاما، وإلى بيان المقاصد إماما، فأنت غير مستقلّ بنفسك، ولا قائم برأسك؛ بل أنا المتكفّل بتأسيس مبانيك، والملتزم بتحرير ألفاظك وتقرير معانيك، بي تعرف أصول أبنية الكلمة في جميع أحوالها، وكيفية التّصرّف في أسمائها وأفعالها، وما يتّصل بذلك من أحوال الحروف البسيطة وترتيبها، واختلاف مخارجها، وبيان تركيبها، والأصليّ منها والمزيد، والمهموس والرّخو والشّديد؛ و.. «١» تقديره، والصحيح والمعتلّ