فقال «علم القافية» : إنّك وإن تألّق برق مباسمك، وطابت أيّام مواسمك، فأنت موقوف على مقاصدي، ومغترف من رويّ مواردي؛ أنا عدّة الشّاعر، وعمدة الناثر؛ لا يستغني عني شعر ولا خطابة، ولا يستنكف عن الوقوف على أبوابي ذو ترسّل ولا كتابة؛ طالما عثر الفحول في ميداني، وتشعّبت عليهم طرقي فضلّوا السّبيل واختلفت عليهم المباني؛ فلم يفرّقوا بين التّكاوس «١» والتّراكب في التّعارف، ولم يميّزوا بين التّدارك والتّواتر والتّرادف.
فقال «علم العروض» : لقد أسمعت القول في الدّعوى من غير توجيه فدخل عليك الدّخيل، وأوقعك الوصل دون تأسيس في هوّة النّقص: فهل إلى خروج من سبيل؟؛ أنا معيار القريض وميزانه، وعليّ تبنى قواعده وأركانه؛ لم يزل الشّعر في علوّ رتبته بفضلي معترفا ولحقّي متحقّقا، ومن بحوري مغترفا، وبأسبابي متعلّقا؛ فأبياته بميزاني محرّرة، وأجزاؤه بقسطاس تفاعيلي مقدّرة، وبفواصلي متّصلة، وبأوتادي مرتبطة غير منفصلة.
فقال «علم الموسيقى» : لقد أسرفت في الافتخار فضللت الطّريق وبنت عنها، وورّطت نفسك فيما لا فائدة فيه فلزمت دائرة لا تنفكّ عنها، وأتيت من طويل الكلام بما لا طائل تحته فثقل قولا، وجئت من بسيط القول بما لو اقتصرت منه على المتقارب لكان بك أولى؛ فأنت بين ذي طبع وزّان لا يحتاج إلى معيارك في نظم قريضه، وآخر نبت طباعه عن الوزن فلم ينتفع من علمك بضربه ولا عروضه؛ فإذا لا فائدة فيك ولا حاجة إليك، ولا عبرة