بك ولا معوّل عليك؛ وكفى بك هضما، ونقيصة وذمّا، واستدلالا على دحض حجّتك، وضعف أدلّتك، قول ابن حجّاج:
مستفعلن فاعلن فعول ... مسائل كلّها فضول
قد كان شعر الورى صحيحا ... من قبل أن يخلق الخليل!
على أنه إن ثبتت لك فائدة، وعاد منك على الشّعر أو الشّعراء عائدة، فإنّما تفاعيلك مقدّمة لألحاني، وأوزانك وسيلة إلى أوزاني؛ نعم أنا غذاء الأرواح، وقاعدة عمود الأفراح، والمتكفّل ببسط النّفوس وقبضها، والقائم من تعديلها وتقويتها بنفلها وفرضها؛ أحرّك النّفس عن مبدئها فيحدث لها السّرور وتظهر عنها الشّجاعة والكرم، وأبعثها إلى مبدئها فيحدث لها الفكر في العواقب وتزايد الهموم والنّدم؛ فتارة أستعمل في الأفراح وزوال الكروب، وتارة في علاج المرضى وأخرى في ميادين الحروب، وآونة في محلّ الأحزان واجتماع المآتم، ومرّة يستعملني قوم في بيوت العبادات فأبعثهم على طلب الطاعات واجتناب المحارم؛ وآتي من غريب الألحان، بما يشبع به الجائع ويروى به الظّمآن، ويأنس به المستوحش وينشط به الكسلان، وتدنو لسماعه السّباع، ويعنو له بعد الشّدّة الشّجاع، مع ما يتفرّع عني من «علم الآلات الرّوحانيّة» التي تنعش الأرواح، وتجلب الأفراح، وتنفي الأتراح، وتؤثر في البخيل السّماح، وتفعل في الألباب ما لا تفعل في اللّبّات «١» بيض الصّفاح.
فقال «علم الطّب» : لقد أضعت الزّمان في اللهو، وملت مع الأريحية فماس بك العجب وزاد بك الزّهو، وداخلك الطّيش فقنعت بالإطراب، وعنيت بمعرفة اللّحن ففاتك الإعراب؛ تذكّر العشّاق أحوال النّوى فيسلمها الهوى إلى الهوان، وتتنقّل في نواحي الإيقاع تنقّل الهائم