فقال «علم الحساب المفتوح» : إنّك وإن دفعت عنا، وجلبت غنى، فأموالك الجمّة، وحواصلك الضّخمة، محتاجة إلى حسّابي، غير غنيّة عن كتّابي؛ أنا جامع الأموال وضابط أصولها، والمتكفّل بحفظ جملتها وتفصيلها، مع احتياج كثير من العلوم إليّ في الضّرب والقسمة والإسقاط. قد أخذت من «علم الارتماطيقي» الذي هو أصل علوم الحساب بجوانبه، وتعلّقت منه بأسهل طرقه وأقرب مذاهبه؛ وناهيك بشرف قدري، ورفعة ذكري، قول أبي محمد الحريريّ في بعض مقاماته، منبّها على شرف قلمي وسنيّ حالاته:
«ولولا قلم الحسّاب لأودت ثمرة الاكتساب، ولا تّصل التّغابن إلى يوم الحساب»«١» .
فقال «علم حساب التّخت والميل» : مه! فما أنت إلا علم العامّة في الأسواق، تدور بين الكافّة على العموم وتتداول بينهم على الإطلاق؛ تكاد أن تكون بديهيّا حتّى للأطفال، وضروريّا للنساء والعبيد في جميع الأحوال؛ يتّسع عليك مجال الضّرب فتقصر عنه همّتك المقصّرة، وتتشعّب عليك مدارك القسمة فتأتي بها على التّقريب غير محرّرة؛ أين أنت من سعة باعي، وامتداد ذراعي، وتحرير أوضاعي؟؛ لا يعتمد أهل الهيئة في مساحة الأفلاك والكواكب غير حقائق أموري، ولا يعوّلون فيها- على سعة فضائها- إلا على صحاحي وكسوري.
فقال «علم حساب الخطأين» : مالي ولعلم لا يوصّل إلى المقصود إلا بعد عمل طويل؟ ويحتاج صاحبه مع زيادة العناء إلى استصحاب تخت وميل، وقد قيل: كلّ علم لا يدخل مع صاحبه مع الحمّام فجداه قاصر ونفعه قليل؛ على أنّ غيرك يشاركك فيما أنت فيه، ويوصل إلى مقصودك بطريق لا يدخله الغلط ولا يعتريه؛ وإنما الشّأن في استكشاف غامض أو إظهار غريب،