وغبر، وشاع ذكره واشتهر، من ذوي المراتب العليّة، والمناصب السّنيّة، من يساوي هذا السّيّد الجليل فضلا! أو يدانيه في المعروف قولا وفعلا؛ قد لبس شرفا لا تطمع الأيام في خلعه، ولا يتطلّع الزمان إلى نزعه، وانتهى إليه المجد فوقف، وعرف الكرم مكانه فانحاز إليه وعطف، وحلّت الرّآسة بفنائه فاستغنت به عن السّوى، وأناخت السّيادة بأفنائه فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى، فقصرت عنه خطا من يجاريه، وضاق عنه باع من يناويه، واجتمعت الألسن على تقريضه فمدح بكلّ لسان، وتوافقت القلوب على حبّه فكان له بكلّ قلب مكان:
ولم يخل من إحسانه لفظ مخبر ... ولم يخل من تقريظه بطن دفتر!
فهو الحريّ بأن يكتب بأقلام الذّهب جميل مناقبه، وأن يرقم على صفحات الأيام حميد مطالبه؛ فلا يذهب على ممرّ الزمان ذكرها، ولا يزول على توالي الدّهور فخرها.
ولما تمّ للعلوم هذا الاجتماع الذي قارن السّعد جلاله، وتفجّرت ينابيع الفضل خلاله، أقبلوا بوجوههم على الشّعر معاتبين، وبما يلزمه من تقريض هذا الحبر ومدحه مطالبين، وقالوا: قد أتى النّثر من مدحه بقدر طاقته، وإن لم يوف بجليل قدره ورفيع مكانته، فلا بدّ من أن تختم هذه الرسالة بأبيات بالمقام لائقة، ولما نحن فيه من القضيّة الواقعة مطابقة، قائمة من مدحه بالواجب، سالكة من ذلك أحسن المسالك وأجمل المذاهب، لتكمل هذه الرسالة نظما ونثرا، وتفتنّ في صناعة الأدب خطابة وشعرا، فقال: سمعا وطاعة، واستكانة وضراعة؛ ثم لم يلبث أن قام عجلا، وأنشد مرتجلا:
بشراكم معاشر العلوم أن ... جمعتم بصدر حبر كامل!
فنونه لم تجتمع لعالم ... وفضله لم يكتمل لفاضل!
يشفي الصّدور إن غدا مناظرا ... وبحثه فزينة المحافل!