يستضاء بهما في حنادس اللّيالي، وقاعدتين تبنى الدّول على أركانهما، وشجرتين يجتنى العزّ من أغصانهما؛ جرّ كلّ منهما ثوب الخيلاء فخرا فمشى وتبختر، وأسبل رداء العجب تيها فما تخبّل ولا تعثّر، واتسع له المجال في الدّعوى فجال، وطاوعته يد المقال فقال وطال، وتطرّقت إليهما عقارب الشّحناء ودبّت، وتوقّدت بينهما نار المنافسة وشبّت، وأظهر كلّ منهما ما كان يخفيه فكتب وأملى، وباح بما يكنّه صدره والمؤمن لا يكون حبلى؛ وبدأ القلم فتكلم، ومضى في الكلام بصدق عزم فما توقف ولا تلعثم، فقال:
باسم الله تعالى أستفتح، وبحمده أتيمّن وأستنجح؛ إذ من شأني الكتابة، ومن فنّي الخطابة؛ وكلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله تعالى فهو أجذم، وكلّ كلام لا يفتتح بحمده فأساسه غير محكم ورداؤه غير معلم؛ والعاقل من أتى الأمر من فصّه، وأخذ الحديث بنصّه؛ والحقّ أحقّ أن يتّبع، والباطل أجدر أن يترك فلا يصغى إليه ولا يستمع؛ إني لأوّل مخلوق بالنّص الثابت والحجّة القاطعة، والمستحقّ لفضل السّبق من غير منازعة؛ أقسم الله تعالى بي في كتابه، وشرّفني بالذّكر في كلامه لرسوله وخطابه، فقال جلّ من قائل: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
»
، وقال جلّت قدرته: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ
«٢» ، فكان لي من الفضل وافر القسمة، وخصصت بكمال المعرفة فجمعت شوارد العلوم وكنت قيّم الحكمة.
فقال السّيف: بسم الله والله أكبر: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ
«٣» .
لكلّ باغ مصرع، وللصّائل بالعدوان مهلك لا ينجو منه ولا ينجع؛ وفاتح باب