للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشّرّ يغلق به، وقادح زند الحرب يحرق بلهبه؛ أقول بموجب استدلالك، وأوجب الاعتراض عليك في مقالك:

نعم أقسم الله تعالى بالقلم ولست بذلك، وكان أوّل مخلوق ولست المعنيّ بما هنالك؛ إنّ ذلك لمعنى يكلّ فهمك عن إدراكه، ويضلّ نجمك أن يسري في أفلاكه؛ وأنت وإن ذكرت في التنزيل، وتمسكت من الامتنان بك في قوله: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ

بشبهة التّفضيل؛ فقد حرّم الله تعالى تعلّم خطّك على رسوله، وحرمك من مسّ أنامله الشريفة ما يؤسى على فوته ويسرّ بحصوله؛ لكنّي قد نلت في هذه الرتبة أسنى المقاصد، فشهدت معه من الوقائع ما لم تشاهد، وحلّاني من كفه شرفا لا يزول حليه أبدا، وقمت بنصره في كلّ معترك: وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا!!!؛ ذكر الله تعالى في القرآن الكريم جنسي الذي أنا نوعه الأكبر، ونبّه على ما فيه من المنافع التي هي من نفعك أعمّ وأشهر، وما اجتمع فيه من عظيمي الشّدّة والباس، فقال تقدّست عظمته: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ

«١» . على أنك لو اعتبرت جنسي القصب والحديد، وعرفت الكليل منهما والجليد، لتحققت تسلط الحديد عليك قطّا وبريا، وتحكّمه فيك أمرا ونهيا.

فقال القلم: فررت من الشريعة وعدلها، وعوّلت على الطبيعة وجهلها، فافتخرت بحيفك وعدوانك، واعتمدت في الفضل على تعدّيك وطغيانك، فملت إلى الظّلم الذي هو إليك أقرب، وغلب عليك طبعك في الجور:

و «الطّبع أغلب» ؛ فلا فتنة إلا وأنت أساسها، ولا غارة إلا وأنت رأسها، ولا شرّ إلا وأنت فاتح بابه، ولا حرب إلا وأنت واصل أسبابه؛ تؤكّد مواقع الجفاء، وتكدّر أوقات الصّفاء، وتؤثّر القساوة، وتؤثر العدواة؛ أما أنا فالحقّ مذهبي، والصّدق مركبي، والعدل شيمتي، وحلية الفضل زينتي؛ إن حكمت أقسطت، وإن استحفظت حفظت وما فرّطت؛ لا أفشي سرّا يريد صاحبه

<<  <  ج: ص:  >  >>