للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبل طريقه، فوقفت عليها وقوف السّارّ «١» بورودها، المستسعد بوفودها، المبتهل إلى الله في إبقاء مهجته التي يتشرّف الوجود بوجودها:

وليس بتزويق اللّسان وصوغه ... ولكنّه قد مازج اللّحم والدّما!

وفضضتها عن مثل النّور تفتحه الصّبا، وبرود الرّياض تساهمت في اكتساء وشيها الأهضاب والرّبا؛ يكبو جواد البليغ في مضمار وصفها، وينبو عضب لسانه عن مجاراتها في رصفها؛ يخجل محيّا النهار بياض طرسها، ويودّ الليل لو نفضت عليه صبغة نقسها، وتحسد الكواكب رائق معانيها، وتتمنّى لو أعيرت فضل إشراقها وتلاليها، في كلّ فقرة روضة وكلّ معنى كأس مدام، وكلّ ألف ساق وكلّ سين طرّة غلام، وكلّ واو عطفة صدغ وكلّ نون تقويس حاجب، وكلّ لام مشقة عذار وكلّ صاد خطّة شارب؛ تصيب من سامعها أقصى ما يراد بالنّفث في العقد، وتستولي بلفظها على لبّه استيلاء الجواد على الأمد.

فلما اجتليت منها المعاني المسهبة في اللّفظ الموجز، وأجلت طرفي منها ما بين نزهة المطمئنّ وعقلة المستوفز، وأسلمت قيادي إلى سحرها المحلّل وإن جنى قتل العاشق المتحرّز- علمت أن سيّدنا أجرى في حلبة السّباق فحاز قصب سبقها، وذلّلت له البلاغة فتوغّل في شعابها وطرقها، وحكّمت يده في أعنّة الفضائل فسلّمت القوس إلى باريها، ودرجات العلى إلى مستحقّيها؛ فمن وائل؟ ومن سحبان؟ ومن عبد الحميد؟ وابن صوحان، وأيّ خبر يقابل العيان؟ ومن يقاوم ما هو كائن بما كان؟؛ فسألت خاطري الجامد أن يعارض بوابله طلّها، وأن يقابل بجثمانه ظلّها، وأن يجاريها في حلبة المساجلة وإن دعي بالسّكيت، ولقد أسمعت لو ناديت حيّا وكيف بنطق من ميت؛ وأنّى يطمع في مجاراة البحر ولات حين لعلّ أوليت؛ فوجدته أصلد من

<<  <  ج: ص:  >  >>