الصّخرة مسّا، وألفيت «باقلا» لديه «قسّا» ؛ فما كلّ من طرق قرى، ولا من إذا خلق فرى؛ وهذا المعهود من خاطري إذا كان جامّا فكيف وقد نضب ماؤه وكدّرت الحوادث بحر علمه والغير، فمن دون أن تستخرج منه الدّرر أن يلين لضرس الماضغ الحجر؛ فبذل جهده لما شعّبت الهموم سبله، وتقنّع بالخلق من لا جديد له.
هذا مع واقعة وقعت له فأصبح متشتّتا، وثنى عنانه عن كلّ شيء إليها متلفّتا، وذلك أنّه في بارحته استولى عليه القلق بسلطانه، واستلبت يد الأرق كراه من بين أجفانه، كأنّه ساورته ضئيلة سمّها ناقع «١» ، أو مدّت إليه خطاطيف حجن «٢» لها أيدي الخطوب نوازع:
إذا اللّيل ألبسني ثوبه ... تقلّب فيه فتى موجع
فتارة فكرته متوجّهة نحو قلّة حظّه، وآونة لا يقع إلّا على ما يقذفه طارف لحظه؛ وإنّ يد الخمول قد استولت عليه، وأزمّة المطالب صرفت عنه وحقّها أن تصرف إليه، والسعادة شاردة عنه وما أجدرها أن تطيف ببابه وتستقرّ بين يديه:
لئن كان أدلى حابل فتعذّرت ... عليه وكانت رادة فتخطّت
لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنّها كانت لآخر خطّت!!
ولقد جهد في سلّم الدّهر وهو يحاربه، «وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه» ؟ فما شام بارقة أمل إلا أخفقت ورجع بخفّي حنين، وقرّت أعين