للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاح سهيل من بعيد كأنّه ... شهاب ينحّيه عن الريح قابس!

وانبرى نسيم السّحر عليلا، وجرّ على أعطاف الأزهار ذيلا بليلا، وروى أحاديث الرّياض بلسان نشره، مذيعا لأسرار خزاماه وزهره، وغرّدت خطباء الطّير على منابر الأغصان، واستنبطت من قلوب المحبّين دفائن الأشجان، وحثّ داعي الفلاح، طائفة التّقى والصّلاح، على أن تؤدّي فرضها ونفلها، وترتقي بخضوعها بين يدي مولاها درجات السّعادة التي كانت أحقّ بها وأهلها، وهتف بشير النّجح بمن أحيا ليلته لما تمزّق قميص اللّيل وانفرى: «عند الصّباح يحمد القوم السّرى» .

فبينا أنا أتفكّر في أنّ جملة ما عاينته سيصبح زائلا، وعن تلك الصّبغة العجيبة حائلا، وأتدبّر: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا

«١» إذ أهدت إليّ الأيام إحدى طرفها وغرائبها، وكبرى أوابدها وعجائبها، فطرق سمعي من الشّبّاك نبأة، وتلتها وجبة تتبعها وثبة، فاستعذت من كيد الشّيطان المريد، وقلت: أسعد أم سعيد؛ وإذا بنمس قد فارق وجاره إلى وجاري، واختارني على الصّحراء جارا فارتضيته لجواري، فولج مستأنسا، ومرح بين يديّ آنسا، وأراني أحد كتفيه في الاسترسال ليّنا والآخر بالتّمنّع شامسا، فمدّ له الحرص على جوره حبائل مكره وشباكه، ويد الغبش تحول دون قنصه وإمساكه، وبقايا الظّلام تقضي بتمنّعه، وتصدّ عن جعله من الوثاق في موضعه، وأنا ملازمه ملازمة المعسر لربّ الدّين، حتى يتبيّن الصّبح لذي عينين.

فلما خشيت على صلاتي الفوت عدلت إلى تأدية فرضها، وتوجيهها بين يدي موجبها وعرضها؛ فلما انفتلت من مصلّاي، وانصرفت عن مناجاة مولاي، برقت لي بارقة، خيّل إليّ أنها صاعقة، فقلت: أذرّ قرن الغزالة؟ وإلا فلات حين

<<  <  ج: ص:  >  >>