أنفس الأغنياء الشّح، وودّوا أن لا تنشأ مزنة ولا تسحّ، وتوهّم خازن البرّ، أنّ صاعه يعدل صاع الدّرّ، وخفّت الأزواد، وماجت الأرض والتقت الرّواد، وانتزعت العازب القصيّ، فألقت العصيّ، وصدرت بحسراتها، وقد أسلمت حزراتها، وأصبحت كلّ قنّة فدعاء «١» ، وهضبة درعاء، (صفاه وها ونقبا وها)«٢» ؛ والصّبح في كل أفق قطر أو قطع، والأرض كلّها سيف ونطع، والشّعر يشمر ذيله للنّفاق، ويضمّر خيله للسّباق؛ وجاء الجدّ وراح الهزل، وقلنا: هذه الشّدّة هذا الأزل؛ وللمرجفين في المدينة عجاجة ظنّوها لا تلبد، وقسيّ نحو الغيوب تعطف وتلبّد؛ فما يسقط السّائل منهم إلا على ناب يحرق، وشهاب يبرق؛ حتّى إذا عقدوا الأيمان، وأخذوا بزعمهم الأمان، وقالوا: لا يطمع في الغيث، وزحل في اللّيث، فإذا فارق الأسد، لكدّ ما أفسد «٣» :
تخرّصا وأحاديثا ملفّقة ... ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب!
أنشأ الله العنان «٤» ، وقال له: كن فكان؛ فبينما النّجوم دراريّها الأعلام، وأغفالها التي لا تحمد عندهم ولا تلام؛ قد اختلط مرعاها بالهمل، ولم تدر السدّة بالحمل؛ ولا علم الجدي بالرّئبال، ولا أحسّ الثّور بالرّامي ذي الشّمال؛ إذ غشيتها ظلل الغمام، وحجبتها أستار كأجنحة الحمام، وأخذت عليها في الطّروق، مصادر الغروب والشّروق؛ فما منها إلا مقنّع بنصيف، أو مزمّل في نجاد خصيف؛ لم تترك له عين تطرف، ولا ثقبة يطلع منها أو يشرف؛ فباتت بين دور متداركة السّقوط، ودرر متناثرة السّموط، وديم منحلّة الخيوط، وجيوش منصورة الأعلام، ثابتة الأقدام، وكتائب