للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صادقة الهجوم، صائبة الرّجوم، تطلب المحل ما بين التّخوم والنّجوم، وما زالت ترميه بأحجاره، وتحترشه في أجحاره، وتغزوه في عقر داره، حتّى عفّت على آثاره، وأخذت للحزن والسّهل بثاره.

فيا أيّها المؤمن بالكواكب، انظر إلى الدّيم السّواكب، واسبح في لجج سيولها، وارتح في ممرّ ذيولها، وسبّح باسم ربّك العظيم الذي قذف بالحقّ على الباطل، وأعاد الحلي إلى العاطل؛ فبرود الظواهر مخضرّة، وثغور الأزاهر مفترّة، ومسرّات النّفوس منتشرة، والدّنيا ضاحكة مستبشرة، وأرواح الأدواح حاملة، وأعطاف الأغصان مائلة، وأوراق الأوراق تفصّل، وأجنحة الظّلال تراش وتوصل، وخطباء الطّير تروي وتخبر، وشيوخ المحارب تهلّل وتكبّر، وإن من شيء إلا يخضع لجبروته، ويشهد لملكوته، وتلوح الحكمة ما بين منطقه وسكوته.

فأما الخطاطيف فقد سبق هاديها، ونطق شاديها، وتراجع شكرا لله ناديها؛ فعشّ يرمّ، ولبنة إلى أخرى تزمّ، وشعث يلمّ، وبدأة توفّى وتتم؛ وكأنّها حنّت نحو المشاهد، وسابقت اللّقالق إلى المعاهد، فظلّت اللّقالق بعدها نزّاعا، وسقطت على آطامها أوزاعا، وأجدّت إقطاعا، وأجابت من الخصب أمرا مطاعا، وحازت من الحدائق والبساتين إقطاعا؛ وسيغرّد في روضته المكّاء «١» ، ويضحكه هذا الوابل البكّاء، وترومه فلا تلحظه ذكاء؛ تحته من الأفنان النّاعمة قلاص، وأحصنته من الخضراء التّبّعيّة دلاص؛ فالويل لأهل الأقوال المنكرات، والنّيل لأهل الثّناء والخيرات، والمرعى والسّعدان «٢» ، وأرض بكواكب النّور تزدان، وبقاع تدين الغيث كما تدان؛ أذكرها فذكرت، وسكرت من أخلاقه فشكرت، وعرّفها ما أنكرت؛ كأنّما

<<  <  ج: ص:  >  >>