تزايد دفعه، وأدّى إلى الضّرر نفعه، فقال: خذ العفو، ولا تكدّر بذكر النّيل الصّفو؛ فقد امتزج بالمعصرات ثجّاجه، وأعيى طبيب الغيطان علاجه:
وشرّق حتّى ليس للشّرق مشرق ... وغرّب حتّى ليس للغرب مغرب!
قلت: فما فعل النّغير «١» ، بجزيرة الطّير، قال: لم يبق بها هاتف يبشّر بالصّباح، ولا ساع يسعى برجل ولا طائر يطير بجناح، إلا اتخذ نفقا في الأرض أو سلّما في السّماء، أو أوى إلى جبل يعصمه من الماء، فأذاق بها الحمام الحمام في المروج، وترك أرضها كسماء ما لها من فروج، وتلا على الحمام: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ
«٢» . وكم في سماء مائها من نسر واقع، وبومة تصفّر على ديارها البلاقع:
ومنهل فيه الغراب ميت ... سقيت منه القوم واستقيت!
قلت: فمصر؟ قال: زحف عليها بعسكره الجرّار، ونفط مائه الطّيّار.
قلت: فالجيزة؟ قال: طغى الماء حتّى علا على قناطرها وتجسّر، ووقع بها القصب من قامته حين علا عليه الماء وتكسّر، فأصبح بعد اخضرار بزّته شاحب الإهاب، ناصل الخضاب، غارقا في قعر بحر يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب «٣» ، وقطع طريق زاويتها على من بها من المنقطعين والفقراء، وترك الطّالح كالصّالح يمشي على الماء، فتنادوا مصبحين، ألّا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين، وأدركهم الغرق فأيسوا من الخلاص، وغشيهم من اليمّ ما غشيهم ولات حين مناص، وخرّ عليهم السّقف من فوقهم فهدّت قواهم، واستغاثوا من كثرة الماء بالذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم.