على أنه تطاول ليضاهي بأصابعه جود أياديه فقصّر، وتحسّر فركب خيل خيلائه ليحاكي بأسه فوقع من جسور عجبه وتقطّر، وسمت نفسه كبرا لأن يبلغ قدره فقيل: يا بحر هذا خليفة الله في أرضه والله أكبر؛ نعم:
رأى البحر الخضمّ نداه طام ... يفيض على الورى منه بحار
فصار البحر ملتطما وأضحى ... على الحالين ليس له قرار!
فلو زدت في أيّام غيره من الملوك المترفين، وفيمن يؤثر ملاذّ نفسه على مصالح المسلمين، كنت أيّها الملك بلغت قصدك، وفعلت في أبناء مصرك جهدك، وكنت من الملوك الّذين إذا دخلوا قرية انتعلوا فيها الأهلّة، وأفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة؛ لكن هبّ قبولك إدبارا، ولاقت ريحك إعصارا؛ فليس لك به قبل، «والسّيل أدرى بالجبل» ؛ فما لك سبيل إلى بلاده، ولا طاقة بإياب الخير على عناده؛ فإنه خادم الحرمين، والمدعوّ له حتّى في مواقف الحرب بين العلمين؛ حامي السّواحل والثّغور، والمخدوم بأيادي السّحائب وأصابع البحور، وإن كنت يا أبا خالد أبا جعفر فلست بمنصور؛ والرّأي أن تقف مستغفرا، وتقول معتذرا؛ لم أفرط بالزيادة في أيامه، ولم أفض على طرف الميدان إلا لأفوز بتقبيل آثار جوادّ خيله ومواطيء أقدامه، ونتّبع نواهيه ونمتثل أوامره، وندعو له كالرّعايا بطول البقاء في الدّنيا وحسن الثواب في الآخرة.
ونحن نسأل الله كما بلّغ بك المنافع، أن يرينا كوكب نؤئك عن قريب راجع؛ وكما أغنى بزيادتك عن الاستسقاء، لا يحوجنا في نقصك إلى الاستضحاء، إنه سميع مجيب الدّعاء، بمنّه وكرمه.