والنّظام، فأقول: مسلّم أنّ كلّ ما أوردته درر وجواهر، وعقود كزهر الرّبيع عيون وجوهها النواضر نواظر، ولكنّها هاهنا أمثل، وجمع شملها على هذي العروس أجمل:
وفي عنق الحسناء يستحسن العقد!
وعلى الجملة فيرجع المملوك إلى التّواضع وهو الأليق بالأدب، فيقول: لا عيب على الفقيرة إذا تجمّلت بحليّ الغنيّة، ولا عار على الجوهريّ إذا نظم سلكا كانت درره على الطّرق مرميّة؛ ونرجع إلى ما ولّده الفكر من عجب البحر، وما ظهر من دفع الملوك لأمثالها عن جريها إلى غاياتها بصور القمر، فأقول: إنما قالت الأدباء ذلك لما جرى من جور النّيل على الأرض، ولما عمّ الناس من الإرجاف بطول أذاه وهرجه فكأنّما هم في يوم العرض؛ وكلّ ذلك وما وصل إلى هذا الارتفاع، وربّما كان أنقص من هذه الزيادة بقريب الذّراع.
وعلى هذا القياس إنّما دفع ضرره، وجمّل في البلاد أثره، وحسّن في السّماء خبره وفي الأرض مخبره، السّريّ الذي اهتمامه بالمعروف معروف، وسيف الدّين الذي سهر في مصالح الرّعايا لمّا تنام ملء أجفانها السّيوف، أتابك العساكر، والملك الذي هو بالإسلام وله منصور وناصر؛ حصّن سائر الكوى بالجسور، وركز على أفواه البحر والخليج الأمراء كما يركز المجاهدون على الثّغور، وقابل البحر من سطواته بما ليس له به قبل، وردّ دفعه بكلّ دفع من الرّأي والتّدبير يغني عن البيض والأسل، وحاربه بجيش عزم إلى أن ولّى هاربا مع التراع والقناطر، وجاهده بجند ركزهم على جوانبه لمّا تحقّق أن البحر سلطان جائر، وحصره بالتّضييق عليه كما تحصر البرك والتراع، وغلّ يده عن التّصرّف فسقاه الموت كما سقى الناس أنواع النّزاع؛ فما هو إلا أن تضاءل بنيران سطواته واحترق، وذلّ خاضعا وكفى به تضرّعا بالأصابع وتوسّلا بالملق، وأطاع لمّا لم تنجه مجاهرته من تيّاره بالسيوف ولا تحصّنه من داراته بالدّرق.