وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ولد ولا صاحب، شهادة تزجر طير الإشراك بهذه الأشراك من كلّ جانب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قرّبه فكان قاب قوسين أو أدنى وهذه أعلى المراتب، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين رقوا في العلياء لمراق لم يسم إليها طير مراقب، صلاة يسبق بها المصلّي إلى بقاع شرف يشرق سناه في المشارق والمغارب، ويرجع طائرا بالسّرور ولا رجوع الطائر الشّارد إلى المشارب.
وبعد، فإن الصّيد من أحلّ الأشياء وأحلاها، وأجلّها وأجلاها، وأبهرها وأبهاها، وأشهرها وأشهاها، وأفخرها قيمة، وأغزرها ديمة؛ بورود الطّير فيه إلى المناهل تنشرح الصدور، وبوقوعه في شرور الشّرك يتمّ السّرور؛ يحصّل عند متعاطيه نشاطا، ويزيده انبساطا، ويشرح خاطره، ويسرّح ناظره، ويملأ عينه قرّة، وقلبه مسرّة؛ يشجّع الجبان، ويثبّت الجنان، ويقوّي الشّهوة، ويسوّي الخطوة، ويسوق الظّفر، ويشوق النّظر، ويروق منه الورد والصّدر، ويفوق فيه الخبر على الخبر. قال بعض الحكماء:«قلّما يغمش ناظر زهرة، أو يزمن مريع طريدة» ؛ يعني بذلك من أدمن الحركة في الصّيد ونظر إلى البساتين، فاستمتع طرفه بنضرتها، وأنيق منظرها.
ومن ذا الذي ينكر لذّة الاصطياد، والطّرب بالقنص على الإطراد؟
ولله درّ القائل:
لولا طراد الصّيد لم تك لذّة ... فتطاردي لي بالوصال قليلا.
هذا الشّراب أخو الحياة وما له ... من لذّة حتّى يصيب عليلا!
يا حسنه من فعل اعتلّت بالنّسيم موارده ومصادره، وفاقت أوائله في اللّذاذة أواخره؛ ولله القائل:
إنّما الصّيد همّة ونشاط ... يعقب الجسم صحّة وصلاحا