وكبت عداه، وأعلى معاليه، وشكر مساعيه، وأطال حياته، وأطاب ذاته- أن يسلك تلك المسالك، ويريض نفسه الكريمة بذلك، ويتحيّل على تحصيل اللذات بالتّحوّل، عملا بقول الشاعر:
تنقّل فلذّات الهوى في التّنقّل! وعمد إلى تحصيل آلاته، سائرا كالبدر في هالاته، فسار مع سرايا كالنّجوم، يتفاكهون في الحديث بالمنثور والمنظوم، ويخلطون جدّ القول بهزله، كلّما خلط لهم طلّ الجود بوبله، وانحدروا في النّيل بجمعهم الصحيح، وقصدوا المرامي العالية ولم يقنعوا من الأيام بالرّيح، وظلّوا يسيرون في تلك المراكب، التي كأنها قطع السّحائب.
هذا وهم يتشوّفون إلى المصايد، ويشرفون إلى الشّوارد، فيطلعون أحيانا إلى البرّ متفرّجين، وبطيب ذلك النسيم متأرّجين:
نسيم قد سرى فيهم بنشر ... فأذكرهم بمسراه السّريّا!
كرامته استقرّت حين وافى ... له نفس يعيد الميت حيّا!
ويجتنون من الغصن الزّاهي قدّا، ويجتلون من الورد الزّاهر خدّا، ويتأمّلون ضحك الأرض من بكاء السماء، وشماخة القضب عند خرير الماء؛ لا تذوق أجفانهم طعم الكرى، ولا يميلون عن السّير ولا يملّون السّرى؛ ما منهم إلا من إذا رأى الطّير جائشا، عاد من وقته له حائشا؛ بينما هم يسيرون متفرّقين، حتّى إذا لاح لهم طير تداعوا إليه غير مقصّرين والتفّوا محلّقين؛ ولم يزالوا كذلك ينهمون العيش، بالدّعة والطّيش؛ حتّى إذا أقبل اليوم المبارك الثامن والعشرون من جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وهو اليوم الذي عزم فيه الجناب الصّلاحيّ على الاصطياد، بالبنادق الحداد، فتباشرت به الطّيور، وسدّت بأجنحتها الثّغور، وسهل عندها فيه نزول الرئيس، فجادت له بالنّفيس، وخرجت من قشرها، وسمحت عند مدّ القوس بحزّ