إذا لاح بازي الصّبح ولّت يؤمّها ... إلى الغرب خوفا منه نسر ومرزم!
إلى حدائق ملتفّة، وجداول محتفّة؛ إذا خمش النّسيم غصونها اعتنقت اعتناق الأحباب، وإذا فرك مرّ المياه متونها انسابت في الجداول انسياب الحباب، ورقصت في المناهل رقص الحباب؛ وإن لثم ثغور نورها حيّته بأنفاس المعشوق، وإن أيقظ نواعس ورقها غنّته بألحان المشوق؛ فنسيمها وان، وشميمها لعرف الجنان عنوان، ووردها من سهر نرجسها غيران:
وطلّها في خدود الورد منبعث ... طورا وفي طرر الرّيحان حيران!
وطائرها غرد، وماؤها مطّرد؛ وغصنها تارة يعطفه النّسيم إليه فينعطف، وتارة [يعتدل]«١» تحت ورقائه فتحسب أنها همزة على ألف؛ مع ما في تلك الرياض من توافق المحاسن وتباين التّرتيب، إذ كلّما اعتلّ النّسيم صحّ الأرج وكلّما خرّ الماء شمخ القضيب:
فكأنّما تلك الغصون إذا ثنت ... أعطافها ريح «٢» الصّبا أحباب:
فلها إذا افترقت من استعطافها ... صلح ومن سجع الحمام عتاب
وكأنّها حول العيون موائسا ... شرب وهاتيك المياه شراب!
فغديرها كأس وعذب نطافها ... راح وأضواء النّجوم حباب!
يحيط بملق نطاقها صاف، وظلال دوحها ضاف، وحصاها لصفاء مائها في نفس الأمر راكد وفي رأي العين طاف؛ إذا دغدغها النّسيم حسبت ماءها بتمايل الظّلال فيه يتبرّج ويميل؛ وإذا طّردت عليه أنفاس الصّبا ظننت أفياء تلك الغصون تارة تتموّج وتارة تسيل: فكأنه محبّ هام بالغصون هوى فمثّلها في قلبه، وكأنّ النسيم كلف بها غار من دنوّها إليه فميلها عن قربه: