للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنهض الرابع لاستقبالها، ورماها عن فلك سعده بنجم وبالها؛ فجدّت في العلوّ مبتذّة «١» ، وتطاردت أمام بندقه ولولا طراد الصّيد لم تك لذّة؛ وانقضّ عليها من يده شهاب حتفها، وأدركها الأجل لخفّة طيرانها من خلفها، فوقعت من الأفق في كفّه، ونفر ما في بقايا صفّها عن صفّه.

وأتت في إثرها أنيسة آنسة «٢» ، كأنّها العذراء العانسة، أو الأدماء «٣» الكانسة، عليها خفر الأبكار، وخفّة ذوات الأوكار، وحلاوة المعاني التي تجلى على الأفكار، ولها أنس الرّبيب، وإدلال الحبيب، وتلفّت الزائر المريب من خوف الرّقيب؛ ذات عنق كالإبريق، أو الغصن الوريق، قد جمع صفرة البهار إلى حمرة الشّقيق، وصدر بهيّ الملبوس، شهيّ إلى النفوس، كأنّما رقم فيه النهار باللّيل أو نقش فيه العاج بالآبنوس، وجناح ينجيها من العطب، يحكي لونها المندل الرّطب لولا أنه حطب:

مدبّجة الصّدر تفويفه ... أضاف إلى اللّيل ضوء النهار

لها عنق خاله من رآه ... شقائق قد سيّجت بالبهار!

فوثب الخامس منها إلى الغنيمة، ونظم في سلك رميه تلك الدّرّة اليتيمة، وحصل بتحصيلها بين الرّماة على الرّتبة الجسيمة.

وأتى على صوتها حبرج تسبق همّته جناحه، ويغلب خفق قوادمه صياحه؛ مدبّج المطا، كأنّما خلع حلّة منكبيه على القطا؛ ينظر من لهب، ويخطو على رجلين من ذهب:

يزور الرّياض، ويجفو الحياض ... ويشبه في اللّون كدر القطا

<<  <  ج: ص:  >  >>