واتّبعه عناز «١» أصبح في اللّون ضدّه، وفي الشّكل ندّه؛ كأنّه ليل ضمّ الصّبح إلى صدره، أو انطوى على هالة بدره:
تراه في الجوّ عند الصّبح حين بدا ... مسودّ أجنحة مبيضّ حيزوم «٢» :
كأنّه حبشيّ «٣» عام في نهر ... وضمّ في صدره طفلا من الرّوم!
فنهض تمام القوم إلى التّتمّة، وأسفرت عن نجح الجماعة تلك اللّيلة المدلهمّة؛ وغدا ذلك الطّير الواجب واجبا، وكمل العدد به قبل أن تطلع الشمس عينا أو تبرز حاجبا؛ فيا لها ليلة حضرنا بها الصادح في الفضاء المتّسع، ولقيت فيها الطير ما طارت به من قبل على كلّ شمل مجتمع، وأصبحت أشلاؤها على وجه الأرض كفرائد خانها النّظام، أو شرب كأنّ رقابها من اللّين لم يخلق لهنّ عظام؛ وأصبحنا مثنين على مقامنا، منثنين بالظّفر إلى مستقرّنا ومقامنا، داعين للمولى جهدنا، مذعنين له قبلنا أوردّنا، حاملين ما صرعنا إلى بين يديه، عاملين على التّشرّف بخدمته والانتماء إليه:
فأنت الذي لم يلف من لا يودّه ... ويدعى له في السّرّ أو يدّعى له:
فإن كان رمي، أنت توضح طرقه ... وإن كان جيش: أنت تحمى قبيله «٤» !
والله تعالى يجعل الآمال منوطة به وقد فعل، ويجعله كهفا للأولياء وقد جعل، بمنّه وكرمه. [إنما أثبتّ هذه الرسالة بكمالها لكثرة ما اشتملت عليه من الأوصاف، ولتعلق بعضها ببعض]«٥» .