عند قدومه ثغر الإسكندرية، وأنا مقيم به في شهور سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وكتب لي بذلك القاضي تاج الدّين بن غنوم موقّع الحكم العزيز بالإسكندرية في درج ورق شاميّ في قطع الشاميّ الكامل، وسنّي يومئذ إحدى وعشرون سنة، فضلا من الله ونعمة.
ونسختها بعد البسملة الشريفة:
الحمد لله الذي رفع للعلماء مقدارا، وأجزل نعمه عليهم إذ أعلى لهم منارا، ووفّق بسواء الطّريق من اقتدى بهم إيرادا وإصدارا؛ أشرعت هممهم العليّة في حلبة السّباق فهي لا تجارى، وتحلّوا بالمفاخر جهرا وقد عجز غيرهم أن يتحلّى بها إسرارا؛ أبرز بهم في هالات المفاخر أقمارا، وأزال بضياء علومهم ريب الشّكّ حتّى عاد ليل الجهالة نهارا؛ جعلهم لدينه أنصارا، وصيّرهم نخبة أصفيائه إذ أودعهم من المعارف أسرارا، واختصّهم بكونهم ورثة أنبيائه: وناهيك بها فخارا.
أحمده حمد من هدي إلى الحقّ فجعله شعارا، واستضاء بنور الهدى فلجأ إلى مولاه في حالتي سرّه وجهره افتقارا، وعجز عن شكر ما أسدى إليه من النّعم لمّا توالى عليه وبلها مدرارا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تصديقا وإقرارا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والأصنام قد عبدت جهارا، والكفّار قد أعرضوا عن الحقّ استكبارا، فقام بأمر الله انتصارا، وقهر من أعرض عن الله اغترارا، وأخمد بضياء نوره الباطل وأهدره إهدارا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تزيدنا في ديننا استبصارا، وتحطّ عنّا من ثقل الذّنوب أوزارا، وتبوّؤنا إن شاء الله تعالى في دار الخلود قرارا.
أما بعد، فقد وضح لذوي الأبصار والبصائر، واتّضح عند ذوي