الأسرار والسّرائر، واستقرّ عند ذوي القلوب السّليمة، والعقول الرّاجحة المستقيمة، أنّ منزلة علم الشّريعة عند الله تعالى أعلى المنازل، وفضله أفضل المآثر وآثر الفضائل، وخصوصا معرفة تفاصيل أحكام أفعال المكلّفين بالشّريعة المحمّديّة، التي من علمها وعمل بها وعلّمها فقد سعد السّعادة الأبدية؛ إذ هي الشريعة الجامعة لمصالح الدّنيا والآخرة، النّاسخة لما خالفها من الشّرائع الغابرة، الباقية إلى أن يأتي وعيد الله وكلّ شريعة سواها داثرة؛ فقد أعظم الله تعالى على من حفظها على عباده المنّة، إذ جعله وقاية لهم من مهالك الجهل وجنّة، ووعده أن ينزل في أعلى منازل الجنّة، لما شهدت به نصوص الكتاب والسّنّة؛ قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً
«١» ، فنبّهه على أنّ العلم أقوى أسباب العبادة، إذ خصّه به وحضّه على أن يطلب منه الزّيادة، وقال تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
«٣» ؛ فأوضح بذلك أنّ أولياءه من خلقه العلماء؛ إذ وصفهم وخصّهم بأنهم الخائفون منه الأتقياء. وقال عليه السّلام:«من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» ، وقال أيضا:«من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنّة» ، وقال أيضا:«ألا إنّ الدّنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه، وعالم ومتعلّم» .
ولما كان فلان- أدام الله تعالى تسديده وتوفيقه، ويسّر إلى الخيرات طريقه- ممّن شبّ ونشأ في طلب العلم والفضيلة، وتخلّق بالأخلاق المرضيّة الجميلة الجليلة، وصحب السّادة من المشايخ والفقهاء، والقادة من الأكابر