للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كم جدّلت يوم الوغى من جندل ... صاحت به فما أطاق تصبّرا!

وكيف لا تخضع لها الأعناق، وتذلّ لها رقاب الشّعراء على الإطلاق، وهي اليتيمة التي أعقمت الأفهام عن مثلها، والفريدة التي اعترف كلّ طويل النّجاد بالقصور عن وصلها:

زادت على، من ذا يطيق وصالها؟ ... ومحلّها منه الثّريّا أقرب!

وأنّى بذلك وقد أخذت من المحاسن بزمامها، وأحاطت من الطّلاوة بكمامها، وأحدقت رياض الأدب بحدائقها، واقتطفت من أفنان الفنون ثمار معان تلذّ لناظرها وتحلو لذائقها؟:

ولا تعر غيرها سمعا ولا نظرا ... في طلعة الشّمس ما يغنيك عن زحل

وتصرّفت في جميع العلوم وإن كانت على البديع مقصورة، وشرفت بشرف متعلّقها فأصبحت بالشرف مشهورة:

أهانت الدّرّ حتّى ماله ثمن، ... وأرخصت قيمة الأمثال والخطبا!

لا جرم أضحت أمّ القصائد وكعبة القصّاد، ومحطّ الرّحال ومنهل الورّاد، فأربت في الشّهرة على «المثل السائر» ، واعترف بفضلها جزالة البادي وسهولة الحاضر:

فللأ فاضل في عليائها سمر ... إنّ الحديث عن العلياء أسمار!

فأعجب بها من بادرة جمعت بين متضادّين سمر وسمر، وقرنت بين متباعدين زهر وزهر، وجادت بمستنزهين روض ونهر، وتفنّنت في أساليب الكلام وجالت، وطاوعتها يد المقال فقالت وطالت، ودعت فرسان العربيّة إلى المبارزة فنكسوا، وتحقّق المفلقون العجز عن مؤاخاتها ولو حرصوا:

فأعرب عن كلّ المعاني فصيحها ... بما عجزت عنه نزار ويعرب!

إن ذكرت ألفاظها فما الدّرّ المنثور؟ أو جليت معانيها أخجلت الرّوض

<<  <  ج: ص:  >  >>