الممطور، أو اعتبر تحرير وزنها فاق الذّهب تحريرا، أو قوبلت قوافيها بغيرها زكت توفيرا وسمت توقيرا، أو تغزّلت أسكتت الورق في الأغصان، أو امتدحت قفت إثر «كعب» وسلكت سبيل «حسّان» ؛ فإطنابها- لفصاحتها- لا يعدّ إطنابا، وإيجازها- لبلاغتها- يمدّ على المعاني من حسن السّبك أطنابا:
أبن لي مغزاها أخا الفهم إنّها ... إلى الفضل تعزى أو إلى المجد تنسب؟
هذا وبراعة مطلعها تحثّ على سماع باقيها شغفا، وبديع مخلصها يسترق الأسماع لطافة ويسترقّ القلوب كلفا، وحسن اختتامها تكاد النّفوس لحلاوة مقطعه تذوب عليها أسفا:
لها من براهين البيان شواهد ... إذ الفضل ورد والمعالي موارد!
وبالجملة فمآثرها الجميلة لا تحصى، وجمائلها المأثورة لا تعدّ ولا تستقصى؛ فكأنّما «قسّ بن ساعدة» يأتمّ بفصاحتها، و «ابن المقفّع» يهتدي بهديها ويروي عن بلاغتها، «وامرؤ القيس» يقتبس من صنعة شعرها، و «الأعشى» يستضيء بطلعة بدرها؛ فلو رآها «جرير» لرأى أنّ نظمه جريرة اقترفها، أو سمعها «الفرزدق» لعرف فضلها وتحقق شرفها، أو بصربها «حبيب بن أوس» لأحبّ أن يكون من رواتها، أو اطّلع عليها «المتنبّي» لتحيّر بين جميل ذاتها وحسن أدواتها:
فللبصائر هاد من فضائلها ... يهدي أولي الفضل إن ضلّوا وإن حاروا
ولا نطيل فمبلغ القول فيها أنّ آيتها المحكمة ناسخة لما قبلها، وبرهانها القاطع قاض بأن لا تسمح قريحة أن تنسج على منوالها ولا يطمع شاعر أن يسلك سبلها:
وآيتها الكبرى التي دلّ فضلها ... على أنّ من لم يشهد الفضل جاحد!