الوحشيّة وكلاب الصّيد، فيكمنون عند أمناء النّصّاح في كهوف الجبال وبطون الأودية، ويرتقبون يوما تكون ريحه عاصفة وهواؤه زعزع، تعلّق النار موثقة في أذناب تلك الثعالب والكلاب، ثم تطلق الثّعالب، والكلاب في أثرها وقد جوّعت، لتجدّ الثعالب في العدو، والكلاب في الطّلب، فتحرق ما مرّت به من الزّرع والنّبات، وتعلق الريح النار منه فيما جاوره، مع ما يلقيه الرّجّالة بأيديهم في اللّيالي المظلمة، وعشاء الأيام المعتمة. وكان ينفق في نظير هذا الإحراق من خزانة دمشق جمل من الأموال. قال: وكان الاهتمام بذلك في أوّل الأمر قبل أن يفطنوا بقصد التّحريق، ثم نبّههم على ذلك أهل المداجاة، فصاروا يربطون عليها الطّرق، ويمسكون منها بالأطراف؛ وقتل عديد من الرجال بسببها، وأحرقوهم بأشدّ من نارها.
وذكر أنّ مما كان يجتنب تحريقه- أرض الجبال «١» ، من حيث إنها بلاد بقيّة السّلف الصالح من ذرّيّة شيخ الإسلام الإمام الكبير العارف بالله «عبد القادر الجيليّ» المعروف بالكيلانيّ، نفع الله تعالى ببركاته، لتعظيمهم من الجهتين، مع ما لهم عند ملوكنا من المكانة العليّة: لقديم سلفهم، وصميم شرفهم، ولما للإسلام وأهله من إسعافهم بما تصل إليه القدرة ويبلغه الإمكان.
قلت: وبتمام القول في هذا الطّرف قد تمّ ما كنت أحاوله من التأليف، وأهتمّ به من الجمع؛ وبالله التّوفيق، وإليه الرغبة؛ وهو حسبي ونعم الوكيل.
واعلم أن المصنّفات تتفاوت في الحظوظ إقبالا وإدبارا: فمن مرغوب