للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان هذا كلام نسائهم الدائر فيما بينهن من محادثاتهن مع بعضهن في خلواتهن، فما ظنك بفرسان الكلام في نظمهم ونثرهم! فأنّى يعاب عليهم ذلك، وينكر عليهم الإتيان بمثله! وقد اختصم رجل وامرأة إلى يحيى بن يعمر «١» ، وهو من أكابر التابعين وجلّتهم، فقال للرجل: أأن سألتك ثمن شكرها وشبرك، أنشأت تطلّها وتضهلها «٢» ؟ أما غير العرب ممن تكلف ذلك وأتى به في كلامه المعتاد في مخاطباته أو نثره ونظمه فإنه يعاب عليه ذلك، وينحط به عن درجة الفصاحة، ويخرج به عن قانونها، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإفهام لا غير، فيخاطب كلّ أحد بما يفهمه ولا يكلّف بما لا يعلمه، وخير الكلام ما جاد وأفاد.

قال بشر بن المعتمر «٣» : إيّاك والتّوعّر، فإنه يسلمك الى التعقيد والتقييد، وهو الذي يستهلك معانيك ويمنعك مراميك.

قال أبو هلال العسكري: وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية فيخاطبون السّوقيّ، والمملوك والأعجميّ، بألفاظ أهل نجد، ومعاني أهل السّراة وحكاياتهم في ذلك كثيرة.

قال أبو نصر الجوهريّ: سقط عيسى بن عمر «٤» عن حمار له فاجتمع عليه الناس فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنّة! افرنقعوا عنّي. أي ما لكم اجتمعتم عليّ اجتماعكم على ذي جنّة تفرّقوا عني. وذكر الجاحظ هذه الحكاية عن أبي علقمة النحويّ بزيادة فقال: مرّ أبو علقمة ببعض طرق البصرة

<<  <  ج: ص:  >  >>