المال وصرفه وما يجري مجرى ذلك ككتابة بيت المال والخزائن السّلطانية، وما يجبى إليها من أموال الخراج وما في معناه، وصرف ما يصرف منها من الجاري والنفقات وغير ذلك، وما في معنى ذلك ككتابة الجيوش ونحوها مما ينجرّ القول فيه إلى صنعة الحسّاب؛ ولا شك أن لكلّ من النوعين قدرا عظيما وخطرا جسيما، إلا أنّ أهل التحقيق من علماء الأدب ما برحوا يرجّحون كتابة الإنشاء ويفضلونها ويميزونها على سائر الكتابات ويقدّمونها؛ ويحتجّون لذلك بأمور:
منها أن كتابة الإنشاء مستلزمة للعلم بكل نوع من الكتابة، ضرورة أنّ كاتب الإنشاء يحتاج فيما يكتبه من ولاياته ومكاتباته مما يتعلق بكتابة الأموال إلى أن يمثّل لهم في وصاياه من صناعتهم ما يعتمدونه، ويبين لهم ما يأتونه ويذرونه «١» ؛ فلا بدّ أن يكون عالما بصناعة من يكتب له بخلاف كاتب الأموال، فإنه إنما يعتمد على رسوم مقرّرة وأنموذجات محرّرة لا يكاد يخرج منها، ولا يحتاج فيها إلى تغيير ولا زيادة ولا نقص.
ومنها اشتمال كتابة الإنشاء على البيان الدالّ على لطائف المعاني التي هي زبد الأفكار وجواهر الألفاظ، التي هي حلية الألسنة، وفيها يتنافس أصحاب المناصب الخطيرة والمنازل الجليلة، أكثر من تنافسهم في الدرّ والجوهر.
ومنها ما تستلزمه كتابة الإنشاء من زيادة العلم، وغزارة الفضيلة، وذكاء القريحة، وجودة الرويّة: لما يحتاج إليه من التصرف في المعاني المتداولة والعبارة عنها بألفاظ غير الألفاظ التي عبّر بها من سبق إلى استعمالها مع حفظ صورتها وتأديتها إلى حقائقها؛ وفي ذلك من المشقّة ما لا خفاء فيه على من مارس الصّناعة، خصوصا إذا طلب الزيادة والعلوّ على من تقدّمه في