استعمالها، أو حذا حذو رسوم المبرّزين الذين ينتحلون الكلام ويوقعونه مواقعه، مع مراعاة رشاقة اللفظ، وحلاوة المعنى، وبلاغته ومناسبته مع ما يحتاجه من اختراع المعاني الأبكار للأمور الحادثة التي لم يقع مثلها، ولا سبق سابق إلى كتابتها، لأنّ الحوادث والوقائع لا تتناهى ولا تقف عند حدّ.
ومن هنا تنقّص الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر المقامات الحريريّة وازدراها جانحا إلى أنها صور موضوعة في قوالب حكايات مبنيّة على مبدإ ومقطع، بخلاف الكتابة فإن أهوالها غير متناهية؛ ولو روعي حال ما يكتبه الكاتب في أدنى مدّة لكان مثل المقامات مرّات.
ومنها اختصاص كاتب الإنشاء بالسلطان وقربه منه وإعظام خواصّه واعتمادهم في المهمات عليه، مع كونه أحرز «١» بالسلامة من أرباب الأقلام المتصرفين في الأموال. وقد قال بعض الحكماء: الكتّاب كالجوارح كل جارحة منها ترفد الأخرى في عملها بما به يكون فعلها، وكاتب الإنشاء بمنزلة الروح الممازجة للبدن المدبّرة لجميع جوارحه وحواسّه.
قال في موادّ البيان «ولا شك في صحة هذا التمثيل، لأنّ كاتب الإنشاء هو الذي يمثل لكل عامل في تقليده ما يعتمد عليه ويتصفح ما يرد منه ويصرفه بالأمر والنهي على ما يؤدّي إلى استقامة ما عدق به «٢» ، وهو حلية المملكة وزينتها لما يصدر عنه من البيان الذي يرفع قدرها، ويعلى ذكرها، ويعظم خطرها، ويدلّ على فضل ملكها، وهو المتصرف عن السلطان في الوعيد، والترغيب، والإحماد والإذمام، واقتضاب المعاني التي تقرّ الوالي على ولايته وطاعته، وتعطف العدوّ العاصي عن عداوته ومعصيته. على أن بعض