الاستعمال دائرة على الألسنة، فقوّة التركيب وحسن السبك هو الذي ظهر فيه الإعجاز وأفحمت فيه البلاغة من حيث لاقت اللفظة الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة، وكذلك سائر الألفاظ إلى آخر الآية. ويشهد لذلك أنك لو أخذت لفظة منها من مكانها وأفردتها عن أخواتها لم تكن لابسة من الحسن والرونق ما لبسته في موضعها من الآية، ولكلّ كلمة مع صاحبتها مقام.
قال ابن الأثير: ومن عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدلّان على معنى واحد، كلتاهما في الاستعمال على وزن واحد وعدّة واحدة، إلا أنه لا يحسن استعمال هذه في كل موضع تستعمل فيه هذه، بل يفرق بينهما في مواضع السّبك؛ وهذا مما لا يدركه إلا من دقّ فهمه، وجلّ نظره. وإذا نظرت إلى قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ
«٢» رأيت ذلك عيانا، فإن الجوف والبطن بمعنى واحد، وقد استعمل الجوف في الآية الأولى والبطن في الآية الثانية ولم يستعمل أحدهما مكان الآخر؛ وكذلك قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى