إذا شئت حفّت بي على كل سابح ... رجال كأنّ الموت في فمها شهد
فلفظة الشهد ولفظة العسل كلاهما حسن مستعمل، وقد جاءت لفظة الشهد في بيت أبي الطّيّب أحسن من لفظة العسل في بيت الأعرج، على أن لفظة العسل قد وردت «١» في القرآن دون لفظة الشهد فجاءت أحلى من الشهد في موضعها؛ وكثيرا ما تجد أمثال ذلك في أقوال الشعراء المفلقين وبلغاء الكتّاب ومصاقع الخطباء، وتحتها دقائق ورموز، إذا علمت وقيس عليها كان صاحب الكلام قد انتهى في النظم والنثر إلى الغاية القصوى في وضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها.
قال: وأعجب من ذلك أنك ترى اللفظة الواحدة تروقك في كلام، ثم تراها في كلام آخر فتكرهها؛ وقد جاءت لفظة في آي القرآن الكريم بهجة رائقة، ثم جاءت تلك اللفظة بعينها في كلام آخر فجاءت ركيكة نابية عن الذوق، بعيدة من الاستحسان؛ فمن ذلك لفظة يؤذي فإنها وردت في قوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ
«٢» فجاءت في غاية الحسن ونهاية الطلاوة، ووردت في قول أبي الطيب:
تلذّ له المروءة وهي تؤذى ... ومن يعشق يلذّ له الغرام
فجاءن رثّة مستهجنة، وإن كان البيت من أبيات المعاني الشريفة، وذلك لقوّة تركيبها في الآية وضعف تركيبها في بيت الشعر؛ والسبب في ذلك أن لفظة تؤذي إنما تحسن في الكلام إذا كانت مندرجة مع ما يأتي بعدها، متعلقة به كما في الآية الكريمة حيث قال: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ
«٣» وفي بيت المتنبي جاءت منقطعة ليس بعدها شيء تتعلق به حيث قال: