للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ليس بعيب عند كثير من أهل العربية، وهو الحق، فقد وقع مثل ذلك من التكرير في القرآن الذي هو أفصح كلام، وآنق نظام، في قوله تعالى: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ

«١» فكرر ذكر الميزان ثلاث مرات في مقدار يسير من الكلام، وأمثاله في القرآن الكريم كثير.

قال في «الصناعتين» : فإن احتاج إلى إعادة المعاني أعادها بغير اللفظ الذي ابتدأ به كما قال معاوية: «من لم يكن من بني عبد المطلب جواد فهو دخيل، ومن لم يكن من بني الزّبير شجاعا فهو لزيق، ومن لم يكن من بني المغيرة تيّاها فهو سنيد» . فقال: دخيل، ثم قال: لزيق، ثم قال: سنيد، والمعنى واحد، والكلام على ما ترى حسن؛ ولو قال لزيق ثم أعاد لسمج. على أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» قد ذكر ما ينافي ذلك، وتعقّب أبا إسحاق الصابي في قوله في تحميدة كتاب: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدّهور بكرورها؛ وقوله بعد ذلك في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: لم ير للكفر أثرا إلّا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه؛ فقال لا فرق بين مرور العصور، وكرور الدهور؛ وكذلك لا فرق بين محو الأثر وإعفاء الرسم؛ ويحتمل أن يقال إنما كره صاحب «المثل السائر» ذلك لتوافق القرينتين في جميع المعنى بخلاف كلام معاوية فإنه متوافق في اللفظة الأخيرة فقط.

قال في «الصناعتين» : وتجنّب كلّ ما يكسب الكلام تعمية كما كتب سعيد ابن حميد يذكر مظلمة إنسان في كتابه: لفلان- وله بي حرمة- مظلمة، يريد لفلان مظلمة وله بي حرمة، بمعنى أنه راعى حرمته. قال: واعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرسائل والخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط ولا يلزمك فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>