أولها: ما يعزى إلى عثمان بن عفان عن قتادة ويحيى بن يعمر من أنه رضى الله عنه لما رفع إليه المصحف قال: إن فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها.
وهذا الحديث لا يحب أن يمر دون أن يضم إليه حديث ثان يعزى إلى عثمان أيضا عن عكرمة الطائى يقول: لما أتى عثمان رضى الله عنه بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن فقال: لو كان المملى من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.
ولقد مر بك أن عثمان اختار حين كتب مصحفه رجلين، هما: زيد بن ثابت، وكان أكتب الناس، وسعيد بن العاصى، وكان أفصح الناس، وأشبههم لهجة برسول الله صلّى الله عليه وسلم. وما كانت تغيب عن عثمان، ولا عمن كانوا مع عثمان، يوم شمروا لكتابة المصاحف، هذه الاختلافات فى الرسم الإملائى التى ظهرت بعد كتابة المصحف، وتمنى عثمان لو لم تكن حين قال: لو كان المعلى من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.
ثم كيف ترد هذه التى وردت فى الحديث الأول عن عثمان، وهو الذى كان من وراء من يكتبان، يراجع ما يكتبانه حرفا حرفا وكلمة كلمة ويصلح ما فاتهما، وما نظن عثمان ونى فى هذا العبء ولا فتر، وهو يعلم جده وخطره، وهو يعلم المتحفزين به من وراء ذلك على عمل حمل عبئه على الرغم منهم.
اللهم إن ثمة شيئا لا ندفعه، وهو ما جاء فى المصحف الإمام من رسم قديم كان مظنة اللبس، ورأى عثمان أن ألسنة العرب تقيمه على وجهه، وإن بدا على غير وجهه، فلم يعرض له. ولعل هذا هو تفسيرا ما جاء على لسان عثمان فى حديثه، إن صح أنه له، يؤيدنا على ذلك حديثه الثانى الذى عقبت به.
ويفسر هذا قول ابن أشته فى كتابه «المصاحف» : جميع ما كتب خطأ يجب أن يقرأ على صحة لغته لا على رسمه، وذلك فى نحو (لا أوضعوا) و (لا أذبحنه) بزيادة ألف فى وسط الكلمتين. إذ لو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا شنيعا، يقلب معنى الكلام ويخل بنظامه.