وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين، حين اشتد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل، لثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة. وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة، فأقام بها بقية شهر ربيع الأول، وشهر ربيع الآخر، وجماديين، ورجبا، وشعبان، وشهر رمضان، وشوالا، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، ثم خرج غازيا فى صفر، على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
حتى بلغ ودان، وهى غزوة الأبواء، يريد قريشا. وبنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الذى وادعه منهم عليهم مخشى بن عمرو الضمرى، وكان سيدهم فى زمانه ذلك. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، فأقام بها بقية صفر، وصدرا من شهر ربيع الأول. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى مقامه ذلك بالمدينة، عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصى، فى ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز، بأسفل ثنية المرة، فلقى بها جمعا عظيما من قريش، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبى وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمى به فى الإسلام.
ثم انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية، وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهرانى، حليف بنى زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازنى، حليف بنى نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار، وكان على القوم عكرمة بن أبى جهل.