قد اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلة، وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحذير تبنى من كليات المعلومات العقلية والسمعية وإلا وكتاب اللَّه قد نطق به، لكن أورده على عادات العرب دون دقائق طرق المتكلمين لأمرين:
أحدهما: بسبب ما قاله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ.
والثانى: أن المائل إلى دقيق المحاجة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام، فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذى يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذى لا يعرفه إلا الأقلون ولم يكن ملغزا، فأخرج تعالى مخاطباته فى محاجة خلقه فى أجلى صورة، ليفهم العامة من جليها، ما يقنعهم وتلزمهم الحجة وتفهم الخواص من أنبائها ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء.
وزعم بعضهم أن المذهب الكلامى لا يوجد منه شىء فى القرآن وهو مشحون به، وتعريفه أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب الكلام.
ومنه نوع منطقى تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة.
فلقد ذكر أن من أول سورة الحج إلى قوله: وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات:
قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها، وذلك مقطوع بصحته لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته منقوله إلينا بالتواتر فهو حق، ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق فاللَّه هو الحق.
وأخبر تعالى أنه يحيى الموتى، لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر، وحصول فائدة هذا الخبر موقوتة على إحياء الموتى ليشاهدوا تلك الأحوال التى