ما هو بشاعر! وقلتم: مجنون! لا والله ما هو بمجنون! يا معشر قريش، فانظروا فى شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكر فيه بالله، خلفه فى مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثا منه، فهلم إلىّ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا منى؟
٣٣- أول جهر بالقرآن
واجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهره لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله ابن مسعود، أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه. قال: دعونى فإن الله سيمنعنى.
فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام فى الضحى، وقريش فى أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ:(بسم الله الرّحمن الرّحيم) رافعا بها صوته الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ثم استقبلها يقرؤها. فتأملوه فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن مسعود؟
ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا إليه فجعلوا يضربون فى وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثروا فى وجهه، فقالوا له: هذا الذى خشينا عليك. فقال: ما كان أعداء الله أهون علىّ منهم الآن، وائن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا؟ قالوا: لا، حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون.